الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
1 - التّكفين: مصدر كفّن، ومثله الكفن، ومعناهما في اللّغة: التّغطية والسّتر. ومنه: سمّي كفن الميّت، لأنّه يستره. ومنه: تكفين الميّت أي لفّه بالكفن. ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن ذلك.
2 - اتّفق الفقهاء على أنّ تكفين الميّت بما يستره فرض على الكفاية، لما روى ابن عبّاس رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «البسوا من ثيابكم البياض فإنّها من خير ثيابكم، وكفّنوا فيها موتاكم». ولما روى البخاريّ عن خبّاب رضي الله عنه قال: «هاجرنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه اللّه، فوقع أجرنا على اللّه، فمنّا من مات لم يأكل من أجره شيئا، منهم: مصعب بن عمير، ومنّا من أينعت له ثمرته فهو يهديها قتل يوم أحد، فلم نجد ما نكفّنه إلّا بردة، إذا غطّينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطّينا رجليه خرج رأسه، فأمرنا النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن نغطّي رأسه، وأن نجعل على رجليه من الإذخر».
3 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الميّت يكفّن - بعد طهره - بشيء من جنس ما يجوز له لبسه في حال الحياة، فيكفّن في الجائز من اللّباس. ولا يجوز تكفين الرّجل بالحرير، وأمّا المرأة فيجوز تكفينها فيه عند جمهور الفقهاء، لأنّه يجوز لها لبسه في الحياة، لكن مع الكراهة، لأنّ فيه سرفاً ويشبه إضاعة المال، بخلاف لبسها إيّاه في الحياة، فإنّه مباح شرعاً. وعند الحنابلة يحرم التّكفين فيه عند عدم الضّرورة ذكرا كان الميّت أو أنثى، لأنّه إنّما أبيح الحرير للمرأة حال الحياة، لأنّها محلّ زينة وقد زال بموتها. ويستحبّ تحسين الكفن عند الحنفيّة والمالكيّة بأن يكفّن في ملبوس مثله في الجمع والأعياد ما لم يوص بأدنى منه، فتتّبع وصيّته، لما روى مسلم أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كفّن أحدكم أخاه فليحسن كفنه». وأمّا عند الحنابلة فيجب أن يكفّن الميّت في ملبوس مثله في الجمع والأعياد إذا لم يوص بدونه، لأمر الشّارع بتحسينه. وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يعتبر في الأكفان المباحة حال الميّت، فإن كان مكثرا فمن جياد الثّياب، وإن كان متوسّطا فأوسطها، وإن كان مقلاً فخشنها. وتجزئ جميع أنواع القماش، والخلق إذا غسل والجديد سواء لما روي عن أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه أنّه قال: اغسلوا ثوبيّ هذين وكفّنوني فيهما فإنّهما للمهل والصّديد. والأفضل أن يكون التّكفين بالثّياب البيض، لما روى ابن عبّاس رضي الله عنهما عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «البسوا من ثيابكم البياض فإنّها من خير ثيابكم وكفّنوا فيها موتاكم». ويشترط في الكفن ألا يصف البشرة، لأنّ ما يصفها غير ساتر فوجوده كعدمه، ويكره إذا كان يحكي هيئة البدن، وإن لم يصف البشرة. وتكره المغالاة في الكفن، لما روي عن عليّ رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تغالوا في الكفن فإنّه يسلب سلباً سريعاً». كما يكره التّكفين بمزعفر، ومعصفر، وشعر، وصوف مع القدرة على غيره، لأنّه خلاف فعل السّلف. ويحرم التّكفين بالجلود لأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بنزع الجلود عن الشّهداء، وأن يدفنوا في ثيابهم. ولا يكفّن الميّت في متنجّس نجاسة لا يعفى عنها وإن جاز له لبسه خارج الصّلاة مع وجود طاهر، ولو كان الطّاهر حريراً. أنواع الكفن: ذهب الحنفيّة إلى أنّ الكفن ثلاثة أنواع: 1 - كفن السّنّة. 2 - كفن الكفاية. 3 - كفن الضّرورة. 4 - أ - كفن السّنّة: هو أكمل الأكفان، وهو للرّجل ثلاثة أثواب: إزار وقميص ولفافة، والقميص من أصل العنق إلى القدمين بلا دخريص ولا أكمام. والإزار للميّت من أعلى الرّأس إلى القدم بخلاف إزار الحيّ واللّفافة كذلك. لحديث جابر بن سمرة، فإنّه قال: «كفّن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب: قميص وإزار ولفافة». وللمرأة خمسة أثواب: قميص وإزار وخمار ولفافة وخرقة تربط فوق ثدييها، لحديث أمّ ليلى بنت قانف الثّقفيّة «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ناول اللّواتي غسّلن ابنته في كفنها ثوبا ثوبا حتّى ناولهنّ خمسة أثواب»، ولأنّها تخرج فيها حالة الحياة، فكذا بعد الممات. 5 - ب - كفن الكفاية: هو أدنى ما يلبس حال الحياة، وهو ثوبان للرّجل في الأصحّ، لقول أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه حين حضره الموت: كفّنوني في ثوبيّ هذين اللّذين كنت أصلّي فيهما، واغسلوهما، فإنّهما للمهل والتّراب. ولأنّ أدنى ما يلبسه الرّجل في حالة الحياة ثوبان، لأنّه يجوز له أن يخرج فيهما، ويصلّي فيهما من غير كراهة، فكذا يجوز أن يكفّن فيهما أيضاً. ويكره أن يكفّن في ثوب واحد، لأنّ في حالة الحياة تجوز صلاته في ثوب واحد مع الكراهة، فكذا بعد الموت. والمراهق كالرّجل يكفّن فيما يكفّن فيه الرّجل، لأنّ المراهق في حال حياته يخرج فيما يخرج فيه البالغ عادة، فكذا يكفّن فيه، وإن كان صبيّا لم يراهق، فإن كفّن في خرقتين إزار ورداء فحسن، وإن كفّن في إزار واحد جاز، لأنّه في حال حياته كان يجوز الاقتصار على ثوب واحد في حقّه فكذا بعد الموت. وأمّا المرأة فأقلّ ما تكفّن فيه ثلاثة أثواب: إزار ورداء وخمار، لأنّ معنى السّتر في حالة الحياة يحصل بثلاثة أثواب، حتّى يجوز لها أن تصلّي فيها وتخرج، فكذا بعد الموت. ويكره أن تكفّن المرأة في ثوبين. وأمّا الصّغيرة فلا بأس بأن تكفّن في ثوبين، والمراهقة بمنزلة البالغة في الكفن، والسّقط يلفّ في خرقة، لأنّه ليس له حرمة كاملة، ولأنّ الشّرع إنّما ورد بتكفين الميّت، واسم الميّت لا ينطلق عليه، كما لا ينطلق على بعض الميّت. 6 - ج - الكفن الضّروريّ للرّجل والمرأة: هو مقدار ما يوجد حال الضّرورة أو العجز بأن كان لا يوجد غيره، وأقلّه ما يعمّ البدن، للحديث السّابق في تكفين مصعب بن عمير رضي الله عنه، وكذا روي «أنّ حمزة رضي الله عنه لمّا استشهد كفّن في ثوب واحد لم يوجد له غيره» فدلّ على الجواز عند الضّرورة. 7 - وأقلّ الكفن عند المالكيّة ثوب واحد، وأكثره سبعة. ويستحبّ الوتر في الكفن، والأفضل أن يكفّن الرّجل بخمسة أثواب، وهي: القميص والعمامة والإزار ولفافتان، ويكره أن يزاد للرّجل عليها. والأفضل أن تكفّن المرأة في سبعة أثواب. درع وخمار وإزار وأربع لفائف، وندب خمار يلفّ على رأس المرأة ووجهها بدل العمامة للرّجل، وندب عذبة قدر ذراع تجعل على وجه الرّجل. 8 - وقال الشّافعيّة: أقلّ الكفن ثوب واحد وهو ما يستر العورة. وفي قدر الثّوب الواجب وجهان: أحدهما: ما يستر العورة، وهي ما بين السّرّة والرّكبة في الرّجل، وما عدا الوجه والكفّين في المرأة. والثّاني: ما يستر جميع بدنه إلا رأس المحرم ووجه المحرمة. والمستحبّ أن يكفّن الرّجل في ثلاثة أثواب: إزار ولفافتين بيض، ليس فيها قميص ولا عمامة، لما روت عائشة رضي الله عنها، قالت: «كفّن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحوليّة ليس فيها قميص ولا عمامة». والبالغ والصّبيّ في ذلك سواء، وإن كفّن في خمسة أثواب لم يكره، لأنّ ابن عمر رضي الله عنهما كان يكفّن أهله في خمسة أثواب فيها قميص وعمامة، ولأنّ أكمل ثياب الحيّ خمسة، ويكره الزّيادة على ذلك، لأنّه سرف. وأمّا المرأة فإنّها تكفّن عند الشّافعيّة في خمسة أثواب: إزار ودرع " قميص " وخمار ولفافتين، لأنّه عليه الصلاة والسلام كفّن فيها ابنته أمّ كلثوم. لما روت أمّ عطيّة «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ناولها إزاراً ودرعاً وخماراً وثوبين»، ويكره مجاوزة الخمسة في الرّجل والمرأة، والخنثى كالمرأة. 9 - وقال الحنابلة: الكفن الواجب ثوب يستر جميع بدن الميّت رجلا كان أو امرأة، والأفضل أن يكفّن الرّجل في ثلاث لفائف، وتكره الزّيادة على ثلاثة أثواب في الكفن لما فيه من إضاعة المال، وقد نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عنه. ويجوز التّكفين في ثوبين «لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المحرم الّذي وقصته دابّته: اغسلوه بماء وسدر وكفّنوه في ثوبين»، وكان سويد بن غفلة يقول: يكفّن في ثوبين. وقال أحمد: يكفّن الصّبيّ في خرقة (أي ثوب واحد) وإن كفّن في ثلاثة فلا بأس.
10 - الأفضل عند الشّافعيّة والحنابلة أن يكفّن الرّجل في ثلاث لفائف بيض ليس فيها قميص ولا عمامة، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم وغيره، فإن كان في الكفن عمامة لم يكره، لكنّه خلاف الأولى. وعند المالكيّة الأفضل أن يكفّن الرّجل بخمسة أثواب وهي: قميص وعمامة وإزار ولفافتان. وأمّا عند الحنفيّة فتكره العمامة في الأصحّ، لأنّها لم تكن في كفن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولأنّها لو وجدت العمامة لصار الكفن شفعاً، والسّنّة أن يكون وتراً، واستحسنها المتأخّرون من الحنفيّة، لما روي أنّ ابن عمر رضي الله عنهما كان يعمّم الميّت من أهله ويجعل العذبة على وجهه.
11 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ كفن الميّت في ماله إن كان له مال ويكفّن من جميع ماله إلا حقّاً تعلّق بعين كالرّهن، ويقدّم على الوصيّة والميراث، لأنّ هذا من أصول حوائج الميّت فصار كنفقته في حال حياته وهي مقدّمة على سائر الواجبات. وإن لم يكن له مال فكفنه على من تجب عليه نفقته - وإذا تعدّد من وجبت النّفقة عليه فيكون كفنه عليهم، على ما يعرف في باب النّفقات - كما تلزم كسوته في حال حياته. وإن لم يكن له مال ولا من ينفق عليه فكفنه في بيت المال، كنفقته في حال حياته لأنّه أعدّ لحوائج المسلمين. وإن لم يكن في بيت المال فعلى المسلمين تكفينه، فإن عجزوا سألوا النّاس، وإن لم يوجد ذلك غسّل وجعل عليه الإذخر - أو نحوه من النّبات - ودفن ويصلّى على قبره. وعلى الزّوج تكفين زوجته عند الحنفيّة على قول مفتى به، والمالكيّة في قول، والشّافعيّة في الأصحّ، لأنّ نفقة الزّوجة واجبة على زوجها في حال حياتها، فكذلك التّكفين وعلّلوا ذلك بأنّ التّفريق في هذا بين الموت والحياة غير معقول. وأمّا عند المالكيّة والحنابلة ومحمّد من الحنفيّة، فلا يلزم الزّوج كفن امرأته ولا مؤنة تجهيزها، لأنّ النّفقة والكسوة وجبا في حالة الزّواج وقد انقطع بالموت فأشبهت الأجنبيّة. ولا يجب على المرأة كفن زوجها بالإجماع، كما لا يجب عليها كسوته في حال الحياة.
12 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الأكفان تجمّر أي تطيّب أوّلا وتراً قبل التّكفين بها، لما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «إذا أجْمرْتُم الميّت فأجمروا وتراً» ولأنّ الثّوب الجديد أو الغسيل ممّا يطيّب ويجمّر في حالة الحياة، فكذا بعد الممات، ثمّ المستحبّ أن تؤخذ أحسن اللّفائف وأوسعها فتبسط أوّلا ليكون الظّاهر للنّاس حسنها، فإنّ هذا عادة الحيّ يجعل الظّاهر أفخر ثيابه. ويجعل عليها حنوط، ثمّ تبسط الثّانية الّتي تليها في الحسن والسّعة عليها، ويجعل فوقها حنوط وكافور ثمّ تبسط فوقهما الثّالثة ويجعل فوقها حنوط وكافور، ولا يجعل على وجه العليا ولا على النّعش شيء من الحنوط، لأنّ أبا بكر الصّدّيق رضي الله عنه قال:" لا تجعلوا على أكفاني حنوطا "، ثمّ يحمل الميّت مستورا بثوب ويترك على الكفن مستلقيا على ظهره بعد ما يجفّف، ويؤخذ قطن فيجعل فيه الحنوط والكافور ويجعل بين أليتيه ويشدّ عليه كما يشدّ التّبّان. ويستحبّ أن يؤخذ القطن ويجعل عليه الحنوط والكافور ويترك على الفم والمنخرين والعينين والأذنين وعلى جراح نافذة إن وجدت عليه ليخفى ما يظهر من رائحته، ويجعل الحنوط والكافور على قطن ويترك على مواضع السّجود، كما روي عن عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه أنّه قال:" تتبع مساجده بالطّيب " ولأنّ هذه المواضع شرّفت بالسّجود فخصّت بالطّيب. ويستحبّ أن يحنّط رأسه ولحيته بالكافور كما يفعل الحيّ إذا تطيّب، ثمّ يلفّ الكفن عليه بأن يثنى من الثّوب الّذي يلي الميّت طرفه الّذي يلي شقّه الأيسر على شقّه الأيمن، والّذي يلي الأيمن على الأيسر، كما يفعل الحيّ بالقباء، ثمّ يلفّ الثّاني والثّالث كذلك، وإذا لفّ الكفن عليه جمع الفاضل عند رأسه جمع العمامة، وردّ على وجهه وصدره إلى حيث بلغ، وما فضل عند رجليه يجعل على القدمين والسّاقين، ثمّ تشدّ الأكفان عليه بشداد خيفة انتشارها عند الحمل، فإذا وضع في القبر حلّ الشّداد، هذا عند الشّافعيّة والحنابلة. أمّا عند الحنفيّة فكذلك إلّا أنّه يلبس القميص أوّلا إن كان له قميص ثمّ يعطف الإزار عليه بمثل ما سبق ثمّ تعطف اللّفافة وهي الرّداء كذلك. أمّا عند المالكيّة فيكون الإزار من فوق السّرّة إلى نصف السّاق تحت القميص واللّفائف فوق ذلك على ما تقدّم ويزاد عليها الحفاظ وهي خرقة تشدّ على قطن بين فخذيه خيفة ما يخرج من المخرجين، واللّثام وهو خرقة توضع على قطن يجعل على فمه وأنفه خيفة ما يخرج منهما.
12 م - وأمّا تكفين المرأة فقال الحنفيّة: تبسط لها اللّفافة والإزار على ما تقدّم في الرّجل، ثمّ توضع على الإزار وتلبس الدّرع، ويجعل شعرها ضفيرتين على صدرها فوق الدّرع، ويسدل شعرها ما بين ثدييها من الجانبين جميعا تحت الخمار، ولا يسدل شعرها خلف ظهرها، ثمّ يجعل الخمار فوق ذلك، ثمّ يعطف الإزار واللّفافة كما قالوا في الرّجل: ثمّ الخرقة فوق ذلك تربط فوق الأكفان فوق الثّديين والبطن. وذهب المالكيّة إلى أنّها تلبس الإزار من تحت إبطيها إلى كعبيها، ثمّ تلبس القميص، ثمّ تخمّر بخمار يخمّر به رأسها ورقبتها، ثمّ تلفّ بأربع لفائف، ويزاد عليها الحفاظ واللّثام. وعند الشّافعيّة على المفتى به تؤزّر بإزار، ثمّ تلبس الدّرع، ثمّ تخمّر بخمار، ثمّ تدرّج في ثوبين، قال الشّافعيّ رحمه الله: ويشدّ على صدرها ثوب ليضمّ ثيابها فلا تنتشر. وأمّا عند الحنابلة، فتشدّ الخرقة على فخذيها أوّلا، ثمّ تؤزّر بالمئزر، ثمّ تلبس القميص، ثمّ تخمّر بالمقنعة ثمّ تلفّ بلفافتين على الأصحّ.
13 - قال الشّافعيّة والحنابلة: إذا مات المحرم والمحرمة حرم تطييبهما وأخذ شيء من شعرهما أو ظفرهما، وحرم ستر رأس الرّجل وإلباسه مخيطا. وحرم ستر وجه المحرمة لما روى ابن عبّاس رضي الله عنهما «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الّذي وقصته ناقته فمات: اغسلوه بماء وسدر وكفّنوه في ثوبيه اللّذين مات فيهما، ولا تمسّوه بطيب، ولا تخمّروا رأسه، فإنّه يبعث يوم القيامة ملبّياً». وعند الحنفيّة والمالكيّة يكفّن المحرم والمحرمة، كما يكفّن غير المحرم أي يغطّى رأسه ووجهه ويطيّب، لما روي عن عطاء عن ابن عبّاس «عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال في المحرم يموت: خمّروهم ولا تشبّهوهم باليهود». وروي عن عليّ رضي الله عنه أنّه قال في المحرم: إذا مات انقطع إحرامه، ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية، أو علم ينتفع به». والإحرام ليس من هذه الثّلاثة.
14 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ شهيد المعركة - الّذي قتله المشركون، أو وجد بالمعركة جريحا، أو قتله المسلمون ظلماً ولم يجب فيه مال - يكفّن في ثيابه، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «زمّلوهم بدمائهم» وقد روي في ثيابهم، وعن عمّار وزيد بن صوحان أنّهما قالا: لا تنزعوا عنّي ثوبا.. الحديث، غير أنّه ينزع عنه الجلود والسّلاح والفرو والحشو والخفّ والمنطقة والقلنسوة ". لما روي عن عليّ رضي الله عنه أنّه قال:" تنزع عنه العمامة والخفّان والقلنسوة، ولما روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: «أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود، وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم» ولأنّ هذه الأشياء الّتي أمر بنزعها ليست من جنس الكفن، ولأنّ المراد من قوله صلى الله عليه وسلم «زمّلوهم بثيابهم» الثّياب الّتي يكفّن بها وتلبس للسّتر، ولأنّ الدّفن بالسّلاح وما ذكر معه كان من عادة أهل الجاهليّة، فإنّهم كانوا يدفنون أبطالهم بما عليهم من الأسلحة وقد نهينا عن التّشبّه بهم. ويجوز أن يزاد في أكفانهم أو ينقص على أن لا يخرج عن كفن السّنّة، لما روي عن خبّاب أنّ «حمزة رضي الله عنه لم يوجد له كفن إلا بردة ملحاء إذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه حتّى مدّت على رأسه وجعل على قدميه الإذخر». وذاك زيادة، ولأنّ الزّيادة على ما عليه حتّى يبلغ عدد السّنّة من باب الكمال وأمّا النّقصان فهو من باب دفع الضّرر عن الورثة لجواز أن يكون عليه من الثّياب ما يضرّ بالورثة تركه عليه. وعند المالكيّة. أنّ شهيد المعركة يدفن بثيابه الّتي مات فيها وجوبا إن كانت مباحة وإلا فلا يدفن بها، ويشترط أن تستره كلّه فتمنع الزّيادة عليها، فإن لم تستره زيد عليها ما يستره، فإن وجد عريانا ستر جميع جسده. قال ابن رشد: من عرّاه العدوّ فلا رخصة في ترك تكفينه بل ذلك لازم. وأمّا الزّيادة على ثيابه إذا كان فيها ما يجزيه فلا بأس بها، وليس لوليّه نزع ثيابه وتكفينه بغيرها. ويندب دفنه بخفّ وقلنسوة ومنطقة - ما يحتزم به في وسطه - إن قلّ ثمنها وخاتم قلّ ثمنه، ولا يدفن الشّهيد بآلة حرب قتل وهي معه كدرع وسلاح. وقال الحنابلة: إنّ شهيد المعركة يجب دفنه في ثيابه الّتي قتل فيها ولو كانت حريراً على ظاهر المذهب. وينزع السّلاح والجلود والفرو والخفّ لحديث ابن عبّاس رضي الله عنه السّابق، ولا يزاد في ثياب الشّهيد ولا ينقص منها، ولو لم يحصل المسنون بها لنقصها أو زيادتها. وذكر القاضي في تخريجه أنّه لا بأس بهما، وجاء في المبدع: فإن سلب ما على الشّهيد من الثّياب، كفّن بغيرها وجوبا كغيره. وقال الشّافعيّة: يكفّن شهيد المعركة ندبا في ثيابه لخبر أبي داود بإسناد حسن عن جابر رضي الله عنه قال: «رمي رجل بسهم في صدره أو في حلقه فمات فأدرج في ثيابه كما هو قال: ونحن مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم» والمراد ثيابه الّتي مات فيها واعتاد لبسها غالبا، وإن لم تكن ملطّخة بالدّم، ويفهم من عبارتهم أنّه لا يجب تكفينه في ثيابه الّتي كانت عليه وقت استشهاده بل هو أمر مندوب إليه فيجوز أن يكفّن كسائر الموتى، فإن لم يكن ما عليه سابغا أي ساترا لجميع بدنه تمّم وجوباً، لأنّه حقّ للميّت، ويندب نزع آلة الحرب عنه كدرع وخفّ، وكلّ ما لا يعتاد لبسه غالبا كجلد وفرو وجبّة محشوّة. وأمّا شهداء غير المعركة كالغريق والحريق والمبطون والغريب فيكفّن كسائر الموتى وذلك باتّفاق جميع الفقهاء.
15 - في البخاريّ: عن ابن أبي حازم عن سهل رضي الله عنه: «أنّ امرأة جاءت إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة فيها حاشيتها... فحسّنها فلان فقال: أكسنيها ما أحسنها. قال القوم: ما أحسنت، لبسها النّبيّ صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها، ثمّ سألته، وعلمت أنّه لا يردّ، قال: إنّي واللّه ما سألته لألبسها، إنّما سألته لتكون كفني، قال سهل: فكانت كفنه». وهذا الحديث دليل على الجواز، لعدم إنكار النّبيّ صلى الله عليه وسلم لذلك. وفي حاشية ابن عابدين. وينبغي أن لا يكره تهيئة الكفن لأنّ الحاجة إليه متحقّقة غالباً. وقال الشّافعيّة: لا يندب أن يعدّ لنفسه كفناً لئلا يحاسب على اتّخاذه إلا أن يكون من جهة حلّ أو أثر من ذي صلاح فحسن إعداده، لكن لا يجب تكفينه فيه كما اقتضاه كلام القاضي أبي الطّيّب وغيره، بل للوارث إبداله. ولهذا لو نزعت الثّياب الملطّخة بالدّم عن الشّهيد وكفّن في غيرها جاز مع أنّ فيها أثر العبادة الشّاهدة له بالشّهادة، فهذا أولى.
16 - اتّفق الفقهاء على أنّه لو كفّن الميّت فسرق الكفن قبل الدّفن أو بعده كفّن كفنا ثانيا من ماله أو من مال من عليه نفقته أو من بيت المال، لأنّ العلّة في المرّة الأولى الحاجة وهي موجودة في الحالة الثّانية.
17 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى قطع النّبّاش إذا تحقّقت شروط القطع في السّرقة، لما روى البراء بن عازب رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من حرّق حرّقناه، ومن غرّق غرّقناه، ومن نبش قطعناه». ولما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: سارق أمواتنا كسارق أحيائنا لأنّ القبر حرز للكفن، وإن كان الكفن زائداً على كفن السّنّة أو دفن في تابوت فسرق التّابوت لم يقطع، لأنّ ما زاد على المشروع في الكفن لم يجعل القبر حرزاً له وكذلك التّابوت. وقال أبو حنيفة ومحمّد والشّافعيّة: لا قطع على النّبّاش مطلقاً. لقوله صلى الله عليه وسلم «لا قطع على المختفي» - وهو النّبّاش بلغة أهل المدينة - ولأنّ الشّبهة تمكّنت في الملك لأنّه لا ملك للميّت حقيقة ولا للوارث لتقدّم حاجة الميّت، فتمكّنت الشّبهة المسقطة للقطع، ووافقهما الشّافعيّة إذا كان الميّت مدفوناً في بريّة لعدم الحرز.
18 - جاء في الجمل على شرح المنهج، لا يجوز له أن يكتب عليها شيئا من القرآن أو الأسماء المعظّمة صيانة لها من الصّديد، وبه قال ابن الصّلاح .
1 - التّكليف لغة: مصدر كلّف. تقول: كلّفت الرّجل: إذا ألزمته ما يشقّ عليه. قال اللّه تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسَاً إلا وُسْعَهَا}. وفي الاصطلاح: طلب الشّارع ما فيه كلفة من فعل أو ترك، وهذا الطّلب من الشّارع بطريق الحكم، وهو الخطاب المتعلّق بأفعال المكلّفين بالاقتضاء أو التّخيير.
أ - الأهليّة: 2 - أهليّة الإنسان للشّيء صلاحيّته لصدور ذلك الشّيء وطلبه منه. قال الأصوليّون: إنّه لا بدّ في المحكوم عليه - المخاطب - من أهليّته للحكم - الخطاب - وإنّها لا تثبت إلا بالبلوغ والعقل وهي على قسمين: أهليّة الوجوب، وأهليّة الأداء. أمّا أهليّة الوجوب فعبارة عن صلاحيّة الشّخص لوجوب الحقوق المشروعة، بحيث تثبت له حقوق، وتجب عليه واجبات والتزامات. وأهليّة الأداء عبارة عن صلاحيّته لصدور الفعل على وجه يعتدّ به شرعا، والآثار الشّرعيّة تترتّب على هذه الأهليّة، وبهذا يعرف أنّ الأهليّة مناط التّكليف. وتفصيل ذلك في مصطلح: (أهليّة). ب - الذّمّة: 3 - الذّمّة في اللّغة: العهد والضّمان والأمان، وفي الاصطلاح: وصف يصير به الشّخص أهلا للإلزام والالتزام، وهي من لوازم أهليّة الوجوب، لأنّ أهليّة الوجوب تثبت بناء على الذّمّة، فالفرق بين التّكليف والذّمّة أنّ التّكليف أعمّ،لأنّه يتعلّق بأهليّة الوجوب والأداء معاً.
4 - أورد علماء الفقه أحكام التّكليف والأهليّة في باب الحجر، وتكلّم عنه علماء أصول الفقه في بيان الحكم، والحاكم، والمحكوم عليه، والمحكوم به، وفي مواضع أخرى يحتاج البحث فيها إلى ذكر التّكليف. والتّكليف يتوقّف على ما يتوقّف عليه الحكم من: الحاكم، والمحكوم عليه، والمحكوم به: وفيما يلي بيان ذلك: أ - علاقة التّكليف بالحاكم والشّارع علاقة الفعل - المصدر - بفاعله لأنّ التّكليف يقع من الحاكم على المكلّفين اقتضاء أو تخييراً. ب - صلة التّكليف بالمحكوم به: أورد علماء الأصول أنّ الأحكام التّكليفيّة خمسة. قال الغزاليّ: أقسام الأحكام الثّابتة لأفعال المكلّفين خمسة: الواجب، والمحظور، والمباح، والمندوب، والمكروه. ووجه هذه القسمة أنّ خطاب الشّرع إمّا أن يرد باقتضاء الفعل، أو اقتضاء التّرك، أو التّخيير بين الفعل والتّرك، فإن ورد باقتضاء الفعل فهو أمر، فإمّا أن يقترن به الإشعار بعقاب على التّرك فيكون واجبا، أو لا يقترن فيكون ندباً. والّذي ورد باقتضاء التّرك فإن أشعر بالعقاب على الفعل فحظر، وإلا فكراهية، وإن ورد بالتّخيير فهو مباح. ولا شكّ أنّ تسمية الخمسة تكليفيّة تغليب إذ لا تكليف في الإباحة ولا في النّدب والكراهة التّنزيهيّة عند الجمهور. ومن ناحية أخرى اشترطوا في التّكليف أن يكون الفعل الّذي وقع التّكليف به ممكناً. ج - ويشترط في التّكليف بالنّظر إلى المكلّف وهو المحكوم عليه فهم المكلّف لما كلّف به. بمعنى قدرته على تصوّر ذلك الأمر والفهم من خطاب اللّه جلّ جلاله بقدر يتوقّف عليه الامتثال لأنّ التّكليف استدعاء حصول الفعل على قصد الامتثال، وهو محال عادة وشرعاً ممّن لا شعور له بالأمر، كما اشترطوا البلوغ وجعلوا الجنون والعته من عوارض الأهليّة. وللتّفصيل ينظر الملحق الأصوليّ.
انظر: كنية.
1 - التّلاوة: من تلا بمعنى قرأ، ويأتي هذا الفعل بمعنى تبع. وفي الاصطلاح: التّلاوة القراءة. قال تعالى: {يَتْلو عَلَيهمْ آيَاتِه} وفسّر قوله تعالى: {يَتْلُونَه حَقَّ تِلاوَتِهِ}، باتّباع الأمر والنّهي،بتحليل حلاله وتحريم حرامه والعمل بما تضمّنه.
أ - التّرتيل: 2 - التّرتيل: لغة التّمهّل يقال: رتّلت القرآن ترتيلا أي: تمهّلت في القراءة ولم أعجل. وفي الاصطلاح: التّأنّي في القراءة والتّمهّل وتبيين الحروف والحركات تشبيها بالثّغر المرتّل والنّسبة بين التّرتيل والتّلاوة - بمعنى القراءة -: أنّ التّلاوة أعمّ، والتّرتيل أخصّ، فكلّ ترتيل تلاوة ولا عكس. ب - التّجويد: 3 - التّجويد: إعطاء كلّ حرف حقّه ومستحقّه، والمراد بحقّ الحرف، الصّفة الذّاتيّة الثّابتة له، كالشّدّة والاستعلاء والمراد بمستحقّ الحرف، ما ينشأ عن الصّفات الذّاتيّة اللّازمة، كالتّفخيم وغيره. وهو أخصّ من التّلاوة. (ر: تجويد). ج - الحدْر: 4 - الحدر هو: الإسراع في القراءة. فهو أخصّ من التّلاوة أيضاً.
5 - المسلمون متعبّدون بفهم معاني القرآن الكريم وتطبيق أحكامه وإقامة حدوده، وهم متعبّدون كذلك بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصّفة المتلقّاة من أئمّة القراءة المتّصلة بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم وقد عدّ العلماء القراءة بغير تجويد لحناً، فقسّموا اللّحن إلى جليّ وخفيّ. فاللّحن: خلل يطرأ على الألفاظ فيخلّ، إلا أنّ الجليّ يخلّ إخلالا ظاهرا يشترك في معرفته علماء القراءة وغيرهم، وهو الخطأ في الإعراب، والخفيّ يخلّ إخلالا يختصّ بمعرفته علماء القراءة وأئمّة الأداء الّذين تلقوه من أفواه العلماء وضبطوه من ألفاظ أهل الأداء. والفقهاء متّفقون على أنّ قراءة القرآن في الصّلاة ركن، لقوله تعالى: {فَاقْرَءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْه} وإن اختلفوا في تعيين الفاتحة لهذه الفريضة. ويستحبّ الإكثار من قراءة القرآن وتلاوته خارج الصّلاة. قال تعالى مثنياً على من كان ذلك دأبه: {يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيلِ}، وفي الصّحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الكتاب وقام به آناء اللّيل وآناء النّهار»، وروى التّرمذيّ من حديث ابن مسعود: «من قرأ حرفاً من كتاب اللّه فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها». وفي حديث أبي سعيد «عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: يقول الرّبّ عزّ وجلّ من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السّائلين، وفضل كلام اللّه على سائر الكلام كفضل اللّه على خلقه».
6 - يستحبّ الوضوء لقراءة القرآن، لأنّه أفضل الأذكار، وقد «قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: إنّي كرهت أن أذكر اللّه عزّ وجلّ إلا على طهر». قال إمام الحرمين: لكن تجوز القراءة للمحدث حدثاً أصغر لأنّه صحّ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ مع الحدث». وإذا كان يقرأ فعرضت له ريح أمسك عن القراءة حتّى يتمّ خروجها، وأمّا الجنب والحائض فتحرم عليهما القراءة، ويجوز لهما النّظر في المصحف وإمراره على القلب، ولم ير ابن عبّاس بالقراءة للجنب بأساً، وبه قال الطّبريّ وابن المنذر. وأمّا متنجّس الفم فتكره له القراءة، وقيل تحرم كمسّ المصحف باليد النّجسة، وتسنّ القراءة في مكان نظيف وأفضله المسجد، وكره قوم القراءة في الحمّام والطّريق، وعند النّوويّ أنّه لا تكره القراءة فيهما، وعن الشّعبيّ أنّه تكره القراءة في الحشّ " بيت الخلاء " وفي بيت الرّحا وهي تدور، ويستحبّ أن يجلس القارئ مستقبلا القبلة في خشوع ووقار مطرقا رأسه، ويسنّ أن يستاك تعظيماً وتطهيراً، وقد روى ابن ماجه عن عليّ موقوفا والبزّار بسند جيّد عنه صلى الله عليه وسلم مرفوعاً: «إنّ أفواهكم طرق للقرآن فطيّبوها بالسّواك» ولو قطع القراءة وعاد عن قرب فمقتضى استحباب التّعوّذ إعادة السّواك أيضاً، ويسنّ التّعوّذ قبل القراءة لقوله تعالى: {فَإذا قَرَأتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ} يعني إذا أردت قراءة القرآن. وذهب قوم إلى وجوب التّعوّذ لظاهر الأمر فإن كان يقرأ وهو ماش فسلّم على قوم وعاد إلى القراءة كان حسنا إعادة التّعوّذ. وصفته المختارة: " أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم " وكان جماعة من السّلف يزيدون بعد لفظ الجلالة: السّميع العليم، وعن حمزة أستعيذ ونستعيذ واستعذت، واختاره صاحب الهداية من الحنفيّة لمطابقة لفظ القرآن، وهناك صيغ أخرى للاستعاذة. قال الحلوانيّ في جامعه: ليس للاستعاذة حدّ ينتهى إليه، من شاء زاد ومن شاء نقص، وفي النّشر لابن الجزريّ: المختار عند أئمّة القراءة الجهر بها، وقيل: يسرّ مطلقا، وقيل: فيما عدا الفاتحة، وقد أطلقوا اختيار الجهر بها، وقيّده أبو شامة بقيد لا بدّ منه، وهو أن يكون بحضرة من يسمعه، قال: لأنّ في الجهر بالتّعوّذ إظهار شعار القراءة، كالجهر بالتّلبية وتكبيرات العيد. ومن فوائد الجهر أنّ السّامع ينصت للقراءة من أوّلها لا يفوته منها شيء، وإذا أخفى التّعوّذ لم يعلم السّامع بها إلا بعد أن يفوته من المقروء شيء، وهذا المعنى هو الفارق بين القراءة في الصّلاة وخارجها. قال: واختلف المتأخّرون في المراد بإخفاء الاستعاذة، فالجمهور على أنّ المراد به الإسرار فلا بدّ من التّلفّظ وإسماع نفسه، وقيل: الكتمان بأن يذكرها بقلبه بلا تلفّظ، قال: وإذا قطع القراءة إعراضا أو بكلام أجنبيّ ولو ردّا للسّلام استأنفها، وإذا كان الكلام بالقراءة فلا. قال: وهل هي سنّة كفاية أو عين حتّى لو قرأ جماعة جملة، فهل يكفي استعاذة واحد منهم كالتّسمية على الأكل أو لا؟ لم أر فيه نصّا، والظّاهر الثّاني، لأنّ المقصود اعتصام القارئ والتجاؤه باللّه من شرّ الشّيطان، فلا يكون تعوّذ واحد منهم كافيا عن آخر. البسملة: 7 - ومن آداب التّلاوة أن يحافظ على قراءة البسملة أوّل كلّ سورة غير براءة، لأنّ أكثر العلماء على أنّها آية، فإذا أخلّ بها كان تاركاً لبعض الختمة عند الأكثرين، فإن قرأ من أثناء سورة استحبّ له أيضا، نصّ عليه الشّافعيّ فيما نقله العبّاديّ. قال القرّاء: ويتأكّد عند قراءة نحو: {إليهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ}، {وَهو الَّذِيْ أَنْشَأَ جَنَّاتٍ} كما في ذكر ذلك بعد الاستعاذة من البشاعة وإيهام رجوع الضّمير إلى الشّيطان، قال ابن الجزريّ: والابتداء بالآي وسط " براءة " قلّ من تعرّض له، وقد صرّح بالبسملة أبو الحسن السّخاويّ، وردّ عليه الجعبريّ. النّيّة: 8 - لا تحتاج قراءة القرآن إلى نيّة كسائر الأذكار، إلا إذا نذرها خارج الصّلاة، فلا بدّ من نيّة النّذر أو الفرض. التّرتيل: 9 - يسنّ التّرتيل في قراءة القرآن قال تعالى: {وَرَتِّلْ القُرْآنَ تَرْتِيلاً} وروى أبو داود وغيره عن أمّ سلمة «أنّها نعتت قراءة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قراءة مفسّرة حرفاً حرفاً». وفي البخاريّ عن أنس «أنّه سئل عن قراءة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال كانت مدّا، ثمّ قرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم يمدّ اللّه، ويمدّ الرّحمن، ويمدّ الرّحيم». وفي الصّحيحين عن ابن مسعود «أنّ رجلاً قال له إنّي أقرأ المفصّل في ركعة واحدة، فقال: هذَّاً كهذِّ الشّعر - يعني الإسراع بالقراءة - إنّ قوما يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع». وأخرج الآجرّيّ في حملة القرآن عن ابن مسعود، وقال: لا تنثروه نثر الدّقل - أي التّمر - ولا تهذّوه كهذّ الشّعر، قفوا عند عجائبه، وحرّكوا به القلوب، ولا يكون همّ أحدكم آخر السّورة. واتّفقوا على كراهة الإفراط في الإسراع، قالوا: وقراءة جزء بترتيل أفضل من قراءة جزأين في قدر ذلك الزّمان بلا ترتيل. ويستحبّ التّرتيل للتّدبّر، لأنّه أقرب إلى الإجلال والتّوقير وأشدّ تأثيرا في القلب، ولهذا يستحبّ التّرتيل للأعجميّ الّذي لا يفهم معنى القرآن. واختلف القرّاء، هل الأفضل التّرتيل وقلّة القراءة، أم السّرعة مع كثرتها؟ وأحسن بعض الأئمّة فقال: إنّ ثواب قراءة التّرتيل أجلّ قدراً، وثواب الكثرة أكثر عدداً، لأنّ بكلّ حرف عشر حسنات. وكمال التّرتيل كما قال الزّركشيّ: تفخيم ألفاظه، والإبانة عن حروفه، وألا يدغم حرف في حرف ممّا ليس حقّه الإدغام، وقيل هذا أقلّه، وأكمله أن يقرأه على منازله إن تهديدا لفظ به لفظ التّهديد، أو تعظيما لفظ به على التّعظيم. التّدبّر: 10 - تسنّ القراءة بالتّدبّر والتّفهّم، فهو المقصود الأعظم، والمطلوب الأهمّ، وبه تنشرح الصّدور، وتستنير القلوب. قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاه إليكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} وقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} وصفة ذلك أن يشغل قلبه بالتّفكّر في معنى ما يلفظ به فيعرف معنى كلّ آية، ويتأمّل الأوامر والنّواهي، ويعتقد قبول ذلك، فإن كان ممّا قصّر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإذا مرّ بآية رحمة استبشر وسأل، أو عذاب أشفق وتعوّذ، أو تنزيه نزّه وعظّم، أو دعاء تضرّع وطلب. تكرير الآية: 11 - لا بأس بتكرير الآية وترديدها، روى النّسائيّ وغيره عن أبي ذرّ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قام بآية يردّدها حتّى أصبح: {إنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإنَّهمْ عِبَادُكَ}» البكاء عند التّلاوة: 12 - يستحبّ البكاء عند قراءة القرآن والتّباكي لمن لا يقدر عليه والحزن والخشوع، قال تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعَاً} وفي الصّحيحين حديث «قراءة ابن مسعود على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وفيه فإذا عيناه تذرفان». وعن سعد بن مالك مرفوعاً: «إنّ هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا». تحسين الصّوت: 13 - يستحبّ تحسين الصّوت بالقراءة وتزيينها لحديث ابن حبّان وغيره، «وزيّنوا القرآن بأصواتكم». وقال الشّافعيّ: القراءة بالألحان لا بأس بها، وفي رواية الرّبيع الجيزيّ: إنّها مكروهة، قال الرّافعيّ: فقال الجمهور: ليست على قولين: بل المكروه أن يفرّط في المدّ وفي إشباع الحركات، حتّى يتولّد من الفتحة ألف، ومن الضّمّة واو، ومن الكسرة ياء، أو يدغم في غير موضع الإدغام، فإن لم ينته إلى هذا الحدّ فلا كراهة، وقال في زوائد الرّوضة: والصّحيح أنّ الإفراط على الوجه المذكور حرام، يفسّق به القارئ، ويأثم المستمع غير المستنكر، لأنّه عدل به عن نهجه القويم، قال: وهذا مراد الشّافعيّ بالكراهة. وفيه حديث «اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإيّاكم ولحون أهل الكتابين وأهل الفسق، فإنّه سيجيء بعدي قوم يرجّعون بالقرآن ترجيع الغناء، والرّهبانيّة لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم». قال النّوويّ: ويستحبّ طلب القراءة من حسن الصّوت، والإصغاء إليها للحديث الصّحيح، ولا بأس باجتماع الجماعة في القراءة ولا بإدارتها، وهي أن يقرأ بعض الجماعة قطعة ثمّ البعض قطعة بعدها. تفخيم التّلاوة: 14 - تستحبّ قراءة القرآن بالتّفخيم لحديث: «أنزل القرآن بالتّفخيم» قال الحليميّ: ومعناه أنّه يقرؤه على قراءة الرّجال، ولا يخضع الصّوت فيه ككلام النّساء، قال: ولا يدخل في هذا كراهة الإمالة الّتي هي اختيار بعض القرّاء، ويجوز أن يكون القرآن نزل بالتّفخيم، فرخّص مع ذلك في إمالة ما تحسن إمالته. الجهر بالقراءة: 15 - وقد وردت أحاديث باستحباب الجهر بالقرآن، وأخرى باستحباب الإخفاء، فمن الأوّل حديث الصّحيحين: «ما أذن اللّه لشيء ما أذن لنبيّ حسن الصّوت يتغنّى بالقرآن يجهر به» ومن الثّاني حديث أبي داود والتّرمذيّ والنّسائيّ: «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصّدقة، والمسرّ بالقرآن كالمسرّ بالصّدقة». قال النّوويّ: والجمع بينهما أنّ الإخفاء أفضل، حيث خاف الرّياء، أو تأذّى مصلّون أو نيام بجهره، والجهر أفضل في غير ذلك لأنّ العمل فيه أكثر، ولأنّ فائدته تتعدّى إلى السّامعين، ولأنّه يوقظ قلب القارئ ويجمع همّه إلى الفكر، ويصرف سمعه إليه، ويطرد النّوم ويزيد في النّشاط، ويدلّ لهذا الجمع حديث أبي داود بسند صحيح عن أبي سعيد «اعتكف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف السّتر وقال: ألا إنّ كلّكم مناج لربّه، فلا يؤذينّ بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة» وقال بعضهم يستحبّ الجهر ببعض القراءة والإسرار ببعضها، لأنّ المسرّ قد يملّ فيأنس بالجهر، والجاهر قد يكلّ فيستريح بالإسرار.
16 - للفقهاء في المفاضلة بين قراءة القرآن في المصحف، وقراءته عن ظهر قلب، ثلاثة اتّجاهات: أ - أنّ القراءة من المصحف أفضل لأنّ النّظر فيه عبادة فتجتمع القراءة والنّظر. بهذا قال القاضي حسين والغزاليّ. روى الطّبرانيّ من حديث أبي سعيد بن عون المكّيّ عن عثمان بن عبيد اللّه بن أوس الثّقفيّ عن جدّه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «قراءة الرّجل في غير المصحف ألف درجة، وقراءته في المصحف تضاعف على ذلك ألفي درجة». وعن عائشة مرفوعاً: «النّظر في المصحف عبادة، ونظر الولد إلى الوالدين عبادة». ب - يرى أبو محمّد بن عبد السّلام أنّ القراءة عن ظهر قلب أفضل، لأنّ المقصود من القراءة التّدبّر لقوله تعالى: {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} والعادة تشهد أنّ النّظر في المصحف يخلّ بهذا المقصود فكان مرجوحاً. ج - قال النّوويّ في الأذكار: إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التّدبّر والتّفكّر وجمع القلب أكثر ممّا يحصل له من المصحف، فالقراءة من الحفظ أفضل، وإن استويا فمن المصحف أفضل. قال وهو مراد السّلف.
17 - يكره قطع القراءة لمكالمة أحد، قال الحليميّ: لأنّ كلام اللّه لا ينبغي أن يؤثر عليه كلام غيره، وأيّده البيهقيّ بما في الصّحيح كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلّم حتّى يفرغ منه، وكره أيضا الضّحك والعبث والنّظر إلى ما يلهي.
18 - لا يجوز قراءة القرآن بالعجميّة مطلقاً، سواء أحسن العربيّة أم لا في الصّلاة أم خارجها. وعن أبي حنيفة أنّه يجوز مطلقا، وعن أبي يوسف ومحمّد يجوز لمن لا يحسن العربيّة، لكن في شرح البزدويّ أنّ أبا حنيفة رجع عن ذلك، ووجه المنع أنّه يذهب إعجازه المقصود منه، وعن القفّال: أنّ القراءة بالفارسيّة لا تتصوّر، قيل له فإذا لا يقدر أحد أن يفسّر القرآن، قال: ليس كذلك لأنّ هناك يجوز أن يأتي ببعض مراد اللّه ويعجز عن البعض، أمّا إذا أراد أن يقرأه بالفارسيّة فلا يمكن أن يأتي بجميع مراد اللّه تعالى، لأنّ التّرجمة إبدال لفظة بلفظة تقوم مقامها، وذلك غير ممكن بخلاف التّفسير. وللتّفصيل (ر: ترجمة ف /5، 11 / 168).
19 - نقل ابن عبد البرّ الإجماع على عدم جواز القراءة بالشّاذّ، لكن ذكر موهوب الجزريّ جوازها في غير الصّلاة قياساً على رواية الحديث بالمعنى.
20 - الأولى أن يقرأ القارئ على ترتيب المصحف، لأنّ ترتيبه لحكمة، فلا يترك التّرتيب إلا فيما ورد فيه الشّرع، كصلاة صبح يوم الجمعة و {الم تَنْزِيلُ}، و{هَلْ أَتَى} ونظائره، فلو فرّق السّور أو عكسها جاز وترك الأفضل، وأمّا قراءة السّورة من آخرها إلى أوّلها. فمتّفق على منعه، لأنّه يذهب بعض نوع الإعجاز ويزيل حكمة التّرتيب. لما روي عن ابن مسعود أنّه سئل عن رجل يقرأ القرآن منكوساً؟ قال: ذاك منكوس القلب، وأمّا خلط سورة بسورة فإنّ تركه من الآداب، لما أخرج أبو عبيد عن سعيد بن المسيّب «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال لبلال: يا بلال قد سمعتك وأنت تقرأ من هذه السّورة ومن هذه السّورة. قال: كلام طيّب يجمع اللّه تعالى بعضه إلى بعض. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم كلّكم قد أصاب». وأخرج عن ابن مسعود قال: إذا ابتدأت في سورة فأردت أن تتحوّل منها إلى غيرها فتحوّل إلا {قُلْ هو اللَّهُ أَحَدٌ}، فإذا ابتدأت بها فلا تتحوّل عنها حتّى تختمها. وقد نقل القاضي أبو بكر الإجماع على عدم جواز قراءة آية آية من كلّ سورة. قال البيهقيّ وأحسن ما يحتجّ به أن يقال: إنّ هذا التّأليف لكتاب اللّه مأخوذ من جهة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأخذه عن جبريل، فالأولى للقارئ أن يقرأه على التّأليف المنقول.
21 - يسنّ الاستماع لقراءة القرآن وترك اللّغط والحديث لحضور القراءة. قال تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلّكم ترحمون} قال الشّيخ أبو محمّد بن عبد السّلام: والاشتغال عن السّماع بالتّحدّث بما لا يكون أفضل من الاستماع، سوء أدب على الشّرع، وهو يقتضي أنّه لا بأس بالتّحدّث للمصلحة. وللتّفصيل ر: (استماع،4 /85).
22 - في القرآن الكريم أربع عشرة آية فيها السّجود: في الأعراف، والرّعد، والنّحل، والإسراء، ومريم، والحجّ، وفيها سجدتان في بعض المذاهب، وفي الفرقان، والنّمل، والسّجدة " الم تنزيل " و " ص " وفصّلت، والنّجم، والانشقاق، واقرأ، وزاد بعضهم آخر الحجر، والسّجود عند الجمهور بقراءة آيات السّجدة مسنون، وواجب عند الحنفيّة. وتفصيل مواضع السّجود، وعلى من يجب، وشروط السّجود، كلّ ذلك تفصيله في مصطلح (سجود التّلاوة).
|